قناة السويس من الماضي إلى الحاضر

قناة السويس من الماضي إلى الحاضر

نتعرف على بداية إنشاء القناة من خلال هذا المقال ومجموعة الصور اللتى جمعناها لكم ،نتعرف على شكل الحياة فى بورسعيد فى تلك الفترة قبل شق قناة السويس .


تلك الفترة كانت عامرة بالإنشاءات و الأعمال الهندسية المطلوبة لحفر القنال و الإعداد لجعل المدينة ميناء لإستقبال البواخر و السياح الوافدين إليها:

بداية نشأة بورسعيد :


كانت مدينة بورسعيد فى بدايتها عبارة عن ارض صحراوية جرداء منخفضة عن سطح البحر تغمرها المياه فى اوقات الفيضان
وعندما وصل 《 فرديناند دى ليسبس 》الى تلك المنطقة فى ابريل عام 1859 لم يجد فيها اى مقومات للحياه
بدأ دى ليسبس بتغيير تلك المنطقة اللتى كانت تعتبر فيها الخيام هى اماكن الاعاشة للعمال والمهندسين المشاركين فى عملية حفر القناة
فبدأ ببناء الاكواخ الخشبية بدلا من الخيام وبذلك بدأت بوادر العمران فى المدينة
كما تم استخدام ناتج حفر القناه من الرمال فى ردم البرك الموجودة فى المدينة اللتى كانت نتيجة للفيضان وتم التخلص من المياه الراكده بردمها بناتج حفر القناة 




وقام بعمل حاجز رملى على هيئة سد من الناحية الشمالية المطلة على البحر لصد الامواج وكانت تطلق على اسم المنطقة رصيف اوجينى نسبة الى الامبراطورة اوجيني زوجة نابليون الثالث.

و بدأت الخريطة السكانية لمدينة بورسعيد تتغير فبعد أن كانت هناك تجمعات عمالية إحداها للمصريين والأخرى للأجانب تحولت إلى احياء حى الإفرنج يفصله عن قرية العرب في الغرب قطعة أرض فضاء ، وقد تم تقسيم المدينة رسميا إلى قسمين 《الإفرنج والعرب 1867 》 وعرف الفاصل بين المنطقتين فيما بعد بشارع محمد علي .




وقد ظهر ت منطقة جديدة تسمى حى المناخ في أقصي الغرب من المدينة ، وترجع هذه التسمية إلى اناخة الإبل حيث كان الحي مكان لوصول قوافل الإبل المحملة بالمواد الغذائية والمياه القادمة من مدينة دمياط .

وقد يظن الكثير أن حي المناخ هو أقدم أحياء بورسعيد بينما الحقيقة أن حي الإفرنج هو نواة المدينة ثم يليه حي العرب ثم المناخ .

وقد يظن البعض ان نشأة مدينة بور سعيد وما أصبحت عليه اليوم من تقدم ورقى وازدهار كانت بدايته فى 25 أبريل 1859 وهو تاريخ البدأ فى دق أول معول في أرض تلك المنطقة إيذانا ببداية شق قناة السويس بعد أن انتهت الدراسات وأجمعت بأن تلك المنطقة هي الموقع المثالي لشق القناة حيث أحضر المهندس الفرنسي《 فريدناند دي ليسبس》 مهندسيه وبعض من العمال المصريين لبدء العمل في شق القناة وكان عدد هذا الفريق لا يتجاوز 150 شخصا.




والفئة القليلة المرافقين له كانوا من علماء التاريخ وباحثو الآثار الذين يعلمون أن تلك المنطقة كانت مركز إشعاع لحضارات سادت ثم بادت بسبب العديد من العوامل كالزلازل وطغيان البحر إبان الفيضان أو بسبب الحروب أو بأمر من الحكام بتدميرها تدميرا كاملا لمنع استيلاء الأعداء المغيرين عليها نظرا لموقعها الفريد المتميز وكذلك لوجودها فى اقصى الشمال ويحدها البحر المتوسط شمالا.

وجغرافية تلك المنطقة في الماضي لم تكن على وضعها الحالي المعروف لنا اليوم حيث لم يكن لبحيرة المنزلة اي وجود بأطرافها المترامية، والتي تنتشر فيها كثيرا من الجزر التي ينمو فوقها النباتات، وكذلك لم يكن للشريط الرملى الذى يفصل بين البحر الأبيض المتوسط وبين بحيرة المنزلة هذ الوجود.




وقبل القرن السادس الميلادي كانت تلك المنطقة زاخرة بحضارات عديدة ،
فقد كانت أفرع النيل العظيم سبعة وكان يمر بتلك المنطقة أكثر من فرع حيث نشأت على ضفافها ومصابها مدن كثيرة وعريقة ، حيث انه من المتعارف عليه علميا أن الحضارات والمدنيات القديمة كانت تنشأ حول الأنهار وعند مصابها ، وكان لكل حضارة طابعها الخاص بها المتميز عن غيرها من احضارات الأمر الذي جعل هذه المنطقة نقطة اتصال بالمدنيات الأخرى المحيطة بها مثل 《أشور _ بابل _ فينيقيا _ بلاد الروم _ جزر البحر الأبيض المتوسط _ وكذلك بلاد العرب 》 .

وقد أضفى هذا الموقع أهمية استراتيجية وأعتبر المفتاح الشرقي لقلب مصر وحاز ذلك اهتمام حكام مصر على مر العصور فعملوا على اقامة الحصون ١ وأحاطتها بالأسوار وأصبحت بواغيزها مليئة بالسفن الحربية فدارت على ارض تلك المنطقة العديد من المواقع الحربية ومر عليها كثير من الغزوات الوافدة والمتقهقرة.

كما أضفي موقعها المتميز الفريد أهمية اقتصادية على تلك المنطقة الذى جعل منها مفتاحا للتبادل التجاري بينها وبين الشعوب القريبة بل كانت نقطة إشعاع دينى وثقافي وفكري لقلب مصر فقد مر بها إبراهيم الخليل وزوجته سارة وكذلك سارت قافلة أخوة يوسف وتولي فيها خزائن مصر وكان خلالها طريق العائلة المقدسة إلي مصر وكانت طريقا للقائد الاسلامى عمرو بن العاص الذى فتح مصر ونشر كلمة الإسلام فيها، وكانت من أهم تلك المدنيات المحيطة بتلك المنطقة :


مدينة تنيس :

كانت تقع عند مصب احد فروع نهر وهو فرع النيل التنيسى وكان على البحر مباشرة ،فاكتسبت من خلال هذا الموقع شهرة عن باقي مدن مصر الداخلية ، وكانت بسبب هذا الموقع مطمعا للغزاة رغم تحصيناتها القوية ، وكانت نهايتها بأن أمر صلاح الدين الأيوبي بإخلائها سنة 1192م بوصول الغزو الصليبي من الشام، ثم جاء بعده الملك الصالح وامر بهدم حصونها وأسوارها سنة 1227، وتركها أطلالا لمنع وصول الصليبيين اليها و احتلالها والتحصن بها ، واختفت تنيس للأبد تاركة ورائها بعض الآثار التي تدل على عظمتها وسط جزيرة داخل بحيرة المنزلة في جنوب غرب مدينة بورسعيد الحالية .

مدينة الفرما :

كان موقعها فى جهة الشرق من مدينة بورسعيد عند مصب النيل البيلوزى ، وقد اهتم بها حكام مصر على مر العصور ، وقاموا بحمايتها عن طريق أنشاء الأسوار العالية والحصون المنيعة لحمايتها من اى غزو خارجى، وقد أقام بها الملك رمسيس الثاني وانشأ بجوارها مدينة تحمل اسمه 《برمسيس 》وقد اختفت مدينة الفرما إلي الأبد عند وصول الغزو الصليبي الى مصر.

مدينة بيلوز أو سهل الطينة :

أنشأها اليونانيون في أول الأمر كضاحية لمدينة الفرما ومعناها باليونانية 《 الطينة 》،وكانت تمثل ثغرا رئيسيا يطل على البحر الأبيض المتوسط، وكانت مليئة بالحصون الحربية، باعتبارها الحد الشرقي لمصر ،وكانت سوقا تجاريا للمبادلات التجارية مع فينيقيا وكانت نهايتها على يد 《 يلدوين الأول 》 ملك بيت المقدس ،الذي أطلق عليه العرب 《 بردويل 》 ونسبت إليه بحيرة البردويل الموجودة حاليا وتعرف الآن باسم بالوظة.

وبعد الانتهاء من حفر قناة السويس وافتتاحها في 17 نوفمبر 1869 بدأ وضع الاستقرار السكاني في المدينة ، وبدء العمال سواء مصريين أو أجانب في إحضار أسرهم من أوطانهم الأصلية ، وكان المجتمع البورسعيدي ( السكاني ) مجتمعا غريبا نظرا لتوافد أناس من كل جنس ولون ، وكان لكل منهم طابعه الخاص المتميز ، فقسم الحي الواحد إلى عدة أحياء صغيرة كان يطلق عليها لفظ حارة تقطنها جالية معينة أو أبناء وطن واحد أو حزمة واحدة .

وتحدي الإنسان الطبيعة فقام《 فرديناند دي ليسبس》 باستجلاب مياه الشرب من المناطق القريبة من بورسعيد من دمياط أو من المطرية ولكنها لم تسد حاجة العمل ، وكانت المياة يتم تخزينها فى خزانات مياه , وكانت عرضة للتدمير والتلف خاصة مع العواصف الشديدة التى كانت تواجه عمال الحفر فى ذلك الوقت.



فناطيس المياه قبل شق قناة المياه العذبة



وبمرور الوقت وصلت المياه العذبة لبورسعيد بعد توصيل أنابيب ذات قطر واسع لنقل المياه من ترعة العباسة ، وانتهت مشكلة نقص المياه للأبد ،بعد حفر قناة للمياه العذبة، واعتبر شقها حدثا تاريخيا عند أهل بورسعيد لا يقل عن حدث شق قناة السويس .



ونعود لبدايات حفر قناة السويس حيث كان إجمالى عدد العمال الذين شاركوا فى حفر القناة نحو مليون عامل،

وعدد الذين توفوا من العمال أثناء الحفر أكثر من 120 ألفاً.

بالعودة لكتاب المؤرخ الدكتور عبد العزيز محمد الشناوى 《 السخرة فى حفر قناة السويس》 سنجد مأساة إنسانية، حيث انفرد ديليسبس وحده بوضع لائحة للعمال وسعى لتوقيع الخديوى سعيد بالموافقة عليها، ومن خلال تلك اللائحة ضمنت الشركة الفرنسية موردا بشريا هائلا تمثل فى تعبئة المصريين لحفر القناة، وجاءت المادة الأولى من اللائحة تنص على أن تقدم الحكومة المصرية العمال الذين يعملون فى أعمال الشركة تبعا للطلبات التى يتقدم بها كبير مهندسى الشركة وطبقا لاحتياجات العمل، *وتناولت المادة الثانية اجور العمال فحددت أجر العامل بمبلغ يتراوح ما بين قرش ونصف القرش وثلاثة قروش فى اليوم، وإذا كان عمر العامل اقل من الثانية عشرة من عمره يتقاضى قرشا واحدا يوميا، والتزمت الشركة بتقديم الخبز المقدد أو الجراية إلى كل عامل بصرف النظر عن عمره، ونصت اللائحة على فرض عقوبات على العمال الهاربين من الحفر فالعامل المهمل يخصم من اجره بما يتناسب مع مقدار إهماله، أما العامل الذى يهرب فيفقد اجر الخمسة عشر يوما المحفوظة بخزينة الشركة.

ونصت اللائحة أيضا على انشاء مستشفى ميدانى بمنطقة الحفر ومراكز للإسعاف مزودة بالأدوية والاسعافات الاولية ، وفى مايو 1859 بدأت اعمال الحفر وكان ديليسبس حاضرا وسط العمال والمهندسين وأمسك بالفأس وقام بضرب أول ضربة بيده وقال للعمال: "سيضرب كل منكم بمعوله هذه الأرض الضربة الأولى كما فعلنا نحن الآن، وعليكم ان تذكروا أنكم لن تحفروا الأرض فقط ولكن ستجلبون بعملكم الرخاء لعائلاتكم ولبلادكم الجميلة. ليعيش أفندينا سعيد باشا سنوات طويلة".

وتمت ترجمة هذه الكلمات للعمال وبدأوا يحفرون القناة تحت إشراف المقاول وهكذا بدأت المعاناة وبدأت فصول القصة المثيرة التى لم تغلق ملفاتها بعد، وكانت بداية الأزمة ان الشركة الفرنسية قررت التضحية بمئات الآلاف من العمال، حيث كان من المقرر أن يبدأ المشروع بحفر قناة مائية عزبة تصل لمنطقة الحفر بحيث توفر الماء للعمال وتوفر وسيلة مائية لانتقالهم لكن الشركة لم تفى بوعدها بانشاء تلك القناه المائية لشرب العمال ،وحشدت العمال للحفر مباشرة دون أن توفر لهم موردا للماء او وسيلة للنقل، وهكذا بدأت اعمال الحفر وواجهت الشركة أخطر وأعقد مشكلة أثناء الحفر وهى إمداد العمال وسط الصحراء بمياه الشرب، وبدأ العمال يتساقطون صرعى من شدة العطش والانهيارات الرملية. ثم توالى سقوط الآلاف بسبب انتشار أوبئة الجدرى والكوليرا والسل، وخالفت الشركة ما وعدت به أيضا حيث وعدت باستخدام وسائل متطورة فى الحفر وآليات وكراكات" لكنها لم تف بوعدها وأكرهت العامل المصرى على العمل فى ظروف قاسية معتمدا فقط على ساعديه وعلى الفأس و"القفة".

ويروى المؤرخ فى كتابه أن سنوات الحفر الأولى للقناة شهدت أكبر عملية حشد للعمال فى التاريخ البشرى. وفى عام 1862 على وجه التحديد كان عدد العمال الذين يساقون جماعات إلى ساحات الحفر يتراوح ما بين عشرين ألفا وبين اثنين وعشرين ألفا فى الشهر الواحد، ويقول الباحث الفرنسى《 دوا》 إنه فى شهر ديسمبر 1861 ذهب سعيد باشا بنفسه إلى منطقة الحفر وشاهد أعمال السخرة، ورغب فى أن يزداد نشاط العمل فأمر بحشد عشرين ألف شاب ومنذ ذلك التاريخ وأفواج العمال لم تنقطع وكانت هذه الأفواج يتتابع قدومها شهرا بعد شهر من الوجه القبلى والبحرى، وكثر تمرد العمال وهروبهم خاصة فى الليالى القمرية وأظهر عمال الوجه القبلى تحديا سافرا للشركة مما اضطر الشركة للاستعانة بالبوليس لمنع تمرد العمال ومطاردتهم وتعذيبهم.

مكتب الزقازيق
كانت مدينة الزقازيق هى نهاية خط السكة الحديد الذى يتفرع من بنها، وكان بها مكتب العمال التابع للشركة الفرنسية وكانت السلطة المحلية بالمدينة مكلفة بأن تخطر مكتب الشركة بوصول العمال من الصعيد والوجه البحرى وسط حراسة مشددة من الشرطة، فيقوم موظفي المكتب بفرز العمال ويستبعدون أصحاب الأجسام الضعيفة ويأخذون الشبان الأقوياء، وكان العمال يقطعون المسافة سيرا على الاقدام فى اربعة ايام من الزقازيق إلى منطقة القناة ، وكانوا يُرَبطون بالحبال فى أيديهم اليسرى، ويسيرون فى طابور طويل كان يتراءى للناظر وكأنه بلا نهاية، وكان طريق التل الكبير يبدو وكأنه مغطى بالآدميين من كثرة جموع العمال سواء المتجهة إلى ساحات الحفر او القادمة منها، وكان كل عامل يحمل معه "قلة" ماء، وكيسا به كسرات من الخبز الجاف.

كان العمال يصلون إلى ساحات الحفر منهوكى القوى، بعد سفر طويل شاق ، فإذا وصلوا الى ساحات الحفر صدرت الأوامر بتسريح العمال القدامى الذين أمضوا شهرا كاملا وهى المدة المقررة لبقائهم، وكان السائحون الأجانب فى هذا العصر يأتون خصيصا لرؤية العمال وهم يقومون بعمليات الحفر ، ولقد كتب الفرنسى 《مانتو》 عن ذلك قائلا: 《كان عدد الوفيات ضخما بسبب المجاعة، ولم تكن تُدفع أجور، وهناك نقص فى المؤن، ونقص فى الملابس والأحذية الملائمة لطبيعة المكان، لم تصل ملابس طوال الصيف، كما كان يوجد معتقل يُرسل إليه من يسيء السلوك، وليس على المرء أن يشكو ما لم يمت جوعا》، وكانوا يقفون وقت الطعام فى طوابير طويلة، وكثيرا ما كان يدق جرس الانتهاء من الطعام دون أن ينال أحدهم لقمة.
فكان العمال يدركهم الموت قبل أن تصل إليهم المياه، وكان معظم العمال يلوذون بالفرار من ساحات الحفر حين يستشعرون بالخطر الداهم بسبب نفاذ كميات المياه، وتأخر وصول قوافل المياه، فكانوا يلتمسون النجاة بالهرب قبل أن يدركهم الموت ،فكانوا يلقون حتفهم فى الطريق من شدة العطش، وتظل جثثهم فى العراء على رمال الصحراء تنهشها الحيوانات الضالة.

الشركة لم تجد رجالا لنقل الموتى:
أنشأت الشركة الفرنسية إدارة طبية ومركزا لإسعاف المرضى لرعاية العمال، ولكن صدرت الاوامر الى هذه الإدارة بان توجه جهودها فقط فى رعاية العمال والموظفين الأجانب، ومن هنا أصبح العمال عرضة للموت من شدة فتك الأمراض بهم. ووفقا لمجموعة من التقارير الطبية التى مازالت محفوظة حتى الآن فى مكتبة بلدية الإسكندرية أن أكثر الأمراض انتشارا بين العمال فى ساحات حفر القناة هى النزلات الشعبية والأمراض الصدرية والرمدية وحالات الإسهال الشديد، والدوسنتاريا وأمراض الكبد، والرمد والجدرى.

ثم جاءت الكوليرا فى صيف عام 1865 وفتكت بحياة العمال لدرجة أن الشركة لم تجد رجالا يرفعون جثث الموتى الذين كان يتم دفنهم فى الصحراء، اما اكبر مأساة تعرض لها العمال اثناء عمليات الحفر هو ظهور مادة طينية سائلة كانت تحتوى على فوسفور حارق ،مما ادى الى اصابة الآلاف بالأمراض الغامضة ،والتى اودت بحياتهم على الفور، والغريب أن الحكومة الفرنسية منحت وسام الشرف من طبقة فارس للدكتور 《أوبير روش》 كبير أطباء الشركة الفرنسية تقديرا لجهوده التى قيل إنه بذلها فى حماية العمال المصريين من الموت، بالأوبئة وصدر الأمر الإمبراطورى بهذا الانعام فى 19 يناير 1867، ورغم آلاف الجنائز الرمزية والنعوش التى خرجت فارغة من ضحايا الحفر ،كانت الاحتفالات صاخبة بافتتاح القناة، ودعا الخديو إسماعيل ملوك العالم وقريناتهم لحضور الحفل الذى جرى فى 16 نوفمبر 1869 وتكلف نحو 4 ملايين جنيه ذهب.

هنا كانت البداية:
لقد كان السؤال الملح الذى لم تجب عنه المراجع التاريخية هو: أين دفن عشرات الآلاف من العمال الذين حفروا قناة السويس؟
لقد كانت المفاجأة أن رمال القناة كانت عبارة عن مقابر جماعية للعمال، وكان العامل الذى يموت يقوم أصدقاؤه بشق حفرة على مقربة من ضفاف القناة ويتم دفنه فيها، وكانت أطراف بورسعيد تضم اكبر مقبرة لعمال السخرة فى التاريخ.

وتشير المراجع التاريخية إلى بعض المناطق التى شهدت تعذيبا للعمال وضربهم ودفنهم أيضا ، وكانت منطقة "عتبة الجسر" واحدة من هذه المناطق بالمدينة الباسلة، وكانتةهذه المنطقة عبارة عن هضبة ترتفع نحو 19 مترا فوق سطح البحر وتمتد الى 14 كيلو متراً وكانت أكبر عقبة تواجه أعمال الحفر قبل 150 عاماً ، وقام وقتها بإزالة 10 ملايين متر مكعب من الأنقاض نحو 40 ألف رجل مات نصفهم.

وبالبحث والتحرى عن اى اثر يدل على مقابر شهداء القناة الذين توفوا اثناء الحفر لم يُعثر لهم على اى مقبرة ويقول بعض سكان بورسعيد من كبار السن انهم لم يسمعوا من قبل عن مقبرة أو شاهد قبر أو أثر لشهداء حفر القناة، لكنهم سمعوا من آبائهم وأجدادهم أن العدد الأكبر ممن استشهدوا فى عمليات الحفر أخذتهم المياه وتمت التضحية بهم لأنهم كانوا يعملون فى بطن القناة فى نفس التوقيت الذى تم فيه فتح المياه من ناحية البحر فغمرتهم مياه البحر وغرقوا جميعا، كما أنهم ماتوا نتيجة أوبئة. وكان من المستحيل تحمل مشاق عودتهم لأسرهم فى الصعيد أو الوجه البحرى لكى لا يتفشى المرض، والعامل المصرى الذى تم جلبه بالسخرة من القرى الفقيرة لم يكن له ثمن فى حياته خلال هذه الفترة. فكيف يكون له ثمن بعد وفاته؟! لهذا لم تسع الشركة الفرنسية التى حفرت القناة لتخليد ذكراهم بإقامة نصب تذكارى مثل المسيو ديليسبس، ولم يكن العمال يحملون أى بطاقات هوية حتى يتم تحديد شخصيتهم. ولهذا توفى الآلاف غرقا بدون أن يعرف أهلهم عنهم شيئا.

وفى مدينة بورفؤاد العتيقة مازالت هناك آثار الشركة الفرنسية اللتى لا تزال باقية فى بورفؤاد، ولا تزال منازل خبراء ومرشدى القناة كما تركتها الشركة الفرنسية بعد قرار التأميم، وهو مشهد يتكرر فى الاسماعيلية والسويس، ويقول أحد المهتمين بتاريخ بورسعيد، أن جميع معالم بورسعيد القديمة تغيرت أسماؤها فكانت هناك منطقة تسمى "عتبة الجسر" تقع على بعد عدة كيلو مترات قليلة من ضفاف القناة، وكانت هذه المنطقة شاهدة على تعذيب عمال حفر قناة السويس، وكان بها سجن يتم فيه تقييد العمال وتعذيبهم وضربهم بالكرابيج كوسيلة للعقاب إذا حاولوا الهروب أو الامتناع عن العمل فى عمليات الحفر فى القناة، والغريب أن هذه المنطقة أقيم على أنقاضها سجن بورسعيد العمومى فى وسط المدينة الذى ماوال موجودا حتى وقتنا هذا.

وفى رحلة البحث عن أثر لشهداء حفر القناة لم يتم التعرف مكان أقدم مقبرة فى بورسعيد لعلها تكون مؤشرا أو ربما تكون جثث شهداء حفر القناة قد وريت ثراها، ولكن لاتوجد جبانات قديمة فى بورسعيد، لكن الحقيقة شبه المؤكدة أنه لا توجد مقابر جماعية وإن وجدت فقد تلاشى أثرها، وكل ماهو معروف من الحكايات والروايات أن من كان يموت اثناء حفر القناه كان يدفنه أصدقاؤه أو معارفه فى أماكن على مقربة من مجرى القناة وخلف التلال، وكانت بعض الجثث يتم دفهنا دون تغسيلها وبملابس الحفر.
وهكذا تعرفنا على نشأة قناة السويس اللتى ارتوت بدماء المصريين الشرفاء الذين تم تسخيرهم فى عملية حفر القناة ولازالت القناة شاهده على اعظم عمل قام المصريين .


قناة السويس بعد نهاية حفرها وبدء تشغيلها


google-playkhamsatmostaqltradent