القصة الحقيقية لفيلم توم هانكس - The Terminal

لم يكن يخطر ببال مهران كريمي ناصري أن رحلته من باريس إلى لندن التي تستغرق عادةً ساعة واحدة فقط، سوف تستغرق ما يقرب من 18 عاماً، وسيكون حبيسًا في مطار شارل ديجول في فرنسا طول تلك المدة، وأن قصته ستتحول لفيلم من بطولة توم هانكس، في هذا المقال نتعرف على القصة الحقيقية للفيلم:

مهران ناصري في مطار فرنسا عام 2005


قصة اللاجئ الإيراني الذي جسد “توم هانكس” شخصيته في فيلم "The Terminal"

حينما قرر الإيراني "مهران كريمي ناصري" السفر من بلجيكا حيث يقيم متجهًا إلى إنجلترا، كان عليه أولاً الهبوط في مطار شارل ديجول في فرنسا ليستقل طائرة أخرى إلى محطته الأخيرة لندن.

ولم يكن يتوقع أن رحلته من باريس إلى لندن التي تستغرق عادةً ساعة واحدة فقط، سوف تستغرق حوالي 18 عامًا، وسيكون حبيسًا في مطار شارل ديجول في فرنسا طوال تلك المدة، وأن قصته ستتحول لفيلم سينمائي بطولة توم هانكس.

The terminal poster - ملصق فيلم توم هانكس

السفر من إيران إلى بريطانيا وبداية المحنة

ولد "ناصري" في إيران عام 1942 لأب إيراني وأم من أصول بريطانية، وحين وصل للمرحلة الجامعية، قرر السفر لإكمال تعليمه في جامعة "برادفورد" في إنجلترا عام 1974، وأثناء سنوات دراسته هناك، كانت إيران تشهد ظروفًا سياسية مضطربة وحكمًا قمعيًا من أجهزة الدولة في ظل حكم الشاه.

مهران كريمي في مطار شارل دي جول

وكانت أحيانًا تحدث في إنجلترا، مظاهرات احتجاجية تقوم بها الجالية الإيرانية أو الطلاب الإيرانيون ضد شاه إيران، وكان "ناصري" يعتقد أن السلطات الأمنية في أيران لن تعلم بما يحدث في إنجلترا، لذلك قرر المشاركة في تلك المظاهرات، وكان هذا القرار الذي قلب حياته رأسًا على عقب.

وعندما عاد إلى إيران بعد 3 سنوات عام 1977 من وجوده في إنجلترا ، علم أن عملاء إيرانيين في إنجلترا، قد التقطوا له صورًا وهو يسير في مظاهرة ضد الشاه، وكانت السلطات الأمنية في انتظاره، وتم القبض عليه وتم سجنه لمدة 4 أشهر، وبعد إطلاق سراحه من السجن، قرر مغادرة إيران والسفر بحثًا عن وطن جديد.

سافر ناصري إلى أوروبا، واستمر "ناصري" لعدة سنوات يطلب اللجوء من عدة دول في جميع أنحاء أوروبا تقريبًا، وكان يُقابل طلبه بالرفض من جميع الدول التي ذهب إليها، وبعد معاناة وتنقل مستمر من دولة لأخرى منحته بلجيكا حق اللجوء. 

رجل دون بلد بسبب ضياع حقيبته

 بعد أن حصل ناصري على حق اللجوء من بلجيكا، ونظرًا لأن "ناصري" كان على دراية بإنجلترا، حيث أمضى سنوات دراسته هناك، قرر عام 1988 السفر إلى إنجلترا بغرض الاستقرار فيها، وهو قرار سيندم عليه طوال عمره.
وكان أثناء رحلته إلى إنجلترا كان عليه الهبوط في فرنسا، وركوب طائرة أخرى متجهة إلى لندن؛ لأنه لم تكن هناك رحلات مباشرة من بلجيكا إلى لندن.

واشترى "ناصري" تذاكر السفر واتجهت طائرته من بلجيكا إلى فرنسا، وكانت الأمور تسير بلا مشاكل ، حتى وصوله إلى مطار شارل ديجول الدولي في فرنسا، استقل طائرة إلى مطار هيثرو في لندن، وفور هبوط الطائرة في مطار هيثرو في لندن بدأت محنته الجديدة.

اكتشف "ناصري" ضياع حقيبته التي تحوي أوراقه الرسمية، فقبضت عليه السلطات البريطانية وأعادته إلى باريس مرة أخرى.
ولأنه لم يكن يملك أية أوراق رسمية تثبت هويته، لم تسمح له السلطات الفرنسية بدخول أراضيها، ولم تقبل السلطات البلجيكية استقباله أيضًا لنغس السبب.

ولم يجد الفرنسيين دولة يستطيعون إرسال ناصري إليها، لذلك لم يتمكنوا من إرسال ناصري إلى إيران، أو بلجيكا أو حتى إعادته إلى إنجلترا، ولم يكن لديه أي أوراق لازمة لمغادرة المطار للداخل في فرنسا أيضًا، وأصبح "ناصري" رجلًا بدون بلد.

ناصري في مطار شارل ديجول

البيروقراطية التي أضاعت سنين عمره

استقر ناصري في صالة الانتظار رقم [1] بمطار شارل ديجول، وكان ينام على كراسي المطار، في البداية كان يبدو ببساطة واحدًا من أولئك المسافرين الذين تأخرت طائرتهم.

وكان في البداية يطلب الطعام من المطاعم الموجودة في المطار، وكان موظفو المطار يساعدوه مشفقين على حالته، وكان "ناصري" يستحم في مرحاض المطار.

وعاش اللاجئ الإيراني "مهران كريمي ناصري"  في الصالة رقم [1] في مطار شارل ديجول الدولي بفرنسا لمدة 18 عام وذلك بسبب فقدان أوراقه التي تشير إلى وضعه كلاجئ وبدون هذه الأوراق لم يكن قادرًا على الدخول أو الخروج لأي بلد ويعتبر المطار "مساحة دولية"  للعيش أو التجوال حيث لا تحتاج أي أوراق.

لكن الأيام امتدت إلى أسابيع ثم إلى شهور، فطفح به الكيل وقرر أن يحاول محاولة يائسة، أن يشترى تذكرة أخرى ظنًا منه أن تذكرة السفر هي الحد الفاصل بين بقائه في المطار أو حصوله على حريته ويصبح رجلًا حرًا، لذلك بدأ في طلب المساعدة المالية من المسافرين، وبعد مرور عامين استطاع جمع ثمن التذكرة، وذهب إلى عبور الممر المؤدي إلى الطائرة، ولكنه تم القبض عليه وسُجن لمدة 6 أشهر، ثم أُعيد مرة أخرى إلى صالة الانتظار.

مهران كريمي أثناء إقامته في المطار

وعندما علم  محامي حقوق الإنسان الفرنسي "كريستيان بورجيه"، بقصة ناصري قرر مساعدته، لتحديد وضعه القانوني ومساعدته على السفر إلى لندن، وبعد الترافع في المحاكم الفرنسية لمدة 4 سنوات، قضت المحكمة بأن "ناصري" دخل المطار بشكل قانوني كلاجئ ولا يمكن طرده منه.

لكن المحكمة لم تتمكن من منح "ناصري" تأشيرة مؤقتة أو منحه وضع لاجئ، لأنهم لم يكن لديهم السلطة للقيام بذلك، ولم تستطع المحكمة أن تُجبر الحكومة الفرنسية السماح له بالخروج من المطار إلى الأراضي الفرنسية.

وكان المكان الوحيد المتاح البقاء فيه هو مطار "شارل ديجول " في فرنسا.

وقال المحامي بورجيه: "إن السلطات الفرنسية رفضت منح "ناصري" تأشيرة لجوء أو تأشيرة عبور، كانت بيروقراطية محضة.

لذلك قرر المحامي التوجه لبلجيكا، وبعد مراسلة السلطات هناك، وبعد مرور 7 سنوات من محاولة الحصول على أوراق هوية جديدة، كان رد السلطات البلجيكية أنها تستطيع إصدار الوثائق اللازمة التي تثبت هوية "ناصري" ووضعه القانوني، لكن لن يتمكنوا من إرسالها بالبريد أو تسليمها للمحامي؛ لأن هذه الوثائق مهمة للغاية، وعلى "ناصري" القدوم إلى بلجيكا واستلامها باليد. 

والمفارقة المؤلمة أن السلطات البلجيكية في الوقت نفسه لن تسمح بدخول "ناصري" إليها دون أوراق الهوية. 

انهيار نفسي وعقلي بسبب الانتظار

بعد مرور سنوات طويلة من الانتظار، استطاع المحامي في عام 1999، أن يحصل على أوراق هوية مؤقتة من السلطات البلجيكية، تُمكِّن "ناصري" من الحصول على تصريح بالبقاء في فرنسا، والمثير للدهشة أنه بمجرد حصوله على الوثائق، رفض استلامها لأنه اعتقد أنها مزورة، وظن أنه بمجرد خروجه من باب المطار ستقوم الشرطة الفرنسية بقتله، لذلك قرر البقاء في المطار. 

في تلك الفترة، اعتقد المسؤولون في المطار أن ناصري أصيب بالجنون بسبب وجوده كل هذه السنوات داخل المطار دون أن يستطيع الخروج، حتى تدهورت حالته وأصبح لا يعرف من يكون.

لدرجة أنه ادعى أنه رجل إنجليزي، ثم أصبح يقول إنه من أصل سويدي من طبقة النبلاء واسمه "السير ألفريد"، ولم يكن يجيب من يخاطبه باسمه الإيراني.

لذلك قررت السلطات الفرنسية منحه أوراقًا للدخول إلى أراضيها بعد تدهور حالته النفسية، لكنه رفض تسلمها أيضًا، لأنها لم تكن باسم "السير الفريد"، وأصبح لا يعرف أي أحد يحمل اسم "مهران كريمي ناصري".

وشخص الدكتور "فيليب بارجين" المدير الطبي للمطار حالته "إنه كان خائفًا من مغادرة عالمه الذي كان يعيش فيه داخل المطار، وظن أن حصوله على أوراق الهوية بمثابة صدمة كبيرة له، حيث أنه انتظر 11 عامًا وفجأة في غضون بضع دقائق يقوم بالتوقيع على بعض الأوراق مما أدى ذلك إلى هذه الصدمة. لذلك يجب أن يُفطم من المطار، حيث أنه أصبح مثل المدمن حقًا.

القصة التي ألهمت فيلم توم هانكس "The Terminal"

كانت حياة : ناصري "مصدر إلهام لكثير من الروايات والأفلام الأجنبية، وكانت أشهرهم على الإطلاق هي أحد تلك الأفلام، فيلم "The Terminal" عام 2004، للمخرج الشهير ستيفن سبيلبرغ، وبطولة توم هانكس.

مشهد لتوم هانكس في فيلم The terminal

حيث اقتبست من قصته فكرة فيلم "The Terminal"

وكان ناصري قد حصل على 300 ألف دولار مقابل حقوق تحويل قصته إلى فيلم، وبالرغم من ذلك كان لا يزال يعيش في المطار ولا يستطيع مغادرته.


توم هانكس في فيلم The terminal

نهاية رحلة مهران كريمي

في عام 2006، وبعد مرور 18 عامًا من بقائه في المطار أصيب ناصري بوعكة صحية شديدة تم نقله على إثرها إلى مستشفى خارج المطار، برعاية مؤسسة الصليب الأحمر الفرنسي، وبعد بقائه عدة أشهر في المستشفى تحسنت حالته الصحية والعقلية، غادر المستشفى في عام 2007.


وكانت السلطات الفرنسية قد سمحت له  بالبقاء في فرنسا، وتم نقله إلى مأوى للمشردين في باريس، لكنه استخدم المال الذي حصل عليه للسفر، وإكمال رحلته إلى بريطانيا التي بدأها قبل 20 عامًا، ونهاية معاناته التي سلبت منه حياته.

google-playkhamsatmostaqltradent