الدكتور على ابراهيم عطا

لم تكن تعلم "مبروكة خفاجي" تلك الفلاحة البسيطة المولودة في قرية (مطوبس) أنها في يوم ما سيذكُر التاريخ اسمها

تلك المرأة التي بسبب إصرارها وعزيمتها نجحت في أن تكون أم يُشار إليها بالبنان.

حيث أنها في عام 1879 تزوجت (مبروكة خفاجي) تلك الفلاحة البسيطة من قرية (مطوبس) التابعة لإحدى محافظات الغربية - محافظة كفر الشيخ حاليًا تزوجت (إبراهيم عطا) فلاح بسيط أيضًا من مواليد قرية (مطوبس) ويعمل بالأجرة في قرية (منية المرشد).

وبسبب ضيق الحال وقلة الموارد المالية قام إبراهيم عطا بتطليق زوجته مبروكة بالرغم من أنها كانت حامل في الشهور الأخيرة، انتقلت مبروكة مع والدتها وأخوها إلى الإسكندرية للإقامة فيها حيث أنجبت ابنها "علي إبراهيم عطا"، وقررت أن تقوم بكل ما بوسعها وطاقتها لتربية "علي" والقيام على تعليمه بأحسن صورة ووجه.

الحاجة مبروكة والدة الدكتور على إبراهيم عطا



كان لديها مائة سبب وسبب لكى تندب حظها وتتعقد من الرجال وتستسلم لظروفها وتقنع بما آلت إليه، وتكتفى بأن تلحق ابنها بأي عمل لكى ينفق عليها وعلى نفسه.
لكنها صممت على أن يحصل ابنها على أعلى الشهادات حيث عملت (قابلة-داية) لكى تستطيع ان تنفق على ابنها، وأدخلت ابنها (عليًّ) مدرسة رأس التين الأميرية،

وبعد أن حصل "علىّ" على الشهادة الابتدائية في عام 1892 بتفوق وكان ترتيبه الأول بين زملائه علم والده بذلك وذهب إلى الإسكندرية ليأخذه ويوظفه بالشهادة الابتدائية، حيث أنها كانت في ذلك الوقت تعادل الشهادة الجامعية من حيث المكانة الاجتماعية وعلمت الأم بذلك ولكنها تمكنت من تهريب ابنها عبر سطوح الجيران حتى لا يستطيع والده ضمه إليه.

هروب علي من ابيه


 ذهب الأب إلى الإسكندرية بعد علمه بنجاح ابنه في الشهادة الابتدائية لكي يضم ابنه إليه ولكن الأم التي تتمتع بالنباهة والذكاء فطنت إلى ذلك وقامت بمساعدة ابنها للهروب الى القاهرة فقامت بإعطائه ما تملك من مال لكي يذهب إلى القاهرة لاستكمال دراسته وأعطته عنوان عائلة السمالوطي بالقاهرة حيث هرب عن طريق سطح منزلهم إلى سطح الجيران واستقل القطار في الصباح الباكر واتجه للقاهرة - حيث تقطن أسرة السمالوطي - لاستكمال طريق الكفاح والعلم.

حيث كان لأسرة (السمالوطي) بعض من يسكنون في محافظة الإسكندرية ويعرفون والدته "مبروكة"، وكانت تعمل لدى أسرة السمالوطى لتستطيع أن تنفق على تعليمه.

والدا الدكتور علي باشا إبراهيم

حياته في القاهرة


وفي القاهرة بمساعدة أسرة السمالوطي التحق علي إبراهيم بالقسم الداخلي في مدرسة الخديوية بدرب الجماميز، ليكمل دراسته الثانوية فأظهر تفوقًا في الدراسة كعادته.
وقد حصل على شهادة البكالوريا - الثانوية العامة حاليًا - بتفوق في 26 سبتمبر عام 1897.

ثم التحق علي إبراهيم بمدرسة الطب بالقصر العيني - جامعة القاهرة حاليًا - في عام 1897 وتخرج منها في سنة 1901، وكانت مدة الدراسة في هذه الفترة أربع سنوات بعد أن كانت ست سنوات.
وعندما التحق بمدرسة الطب أراد "علي" أن يرد لوالدته شيئًا من هذا الجميل، وكان الطالب الذي يدرس في مدرسة الطب وقتها يتقاضى ثلاثة جنيهات مصرية شهريًا للتشجيع على استكمال الدراسة والاستمرار في طلب العلم والتعلم.
فكان علي إبراهيم يرسلها كاملة إلى والدته، وكان يتكسب من قراءة القرآن على المقابر أيام الجمعة.

‏تفوق عليٌّ في دراسته كعادته دائمًا، وأظهر نبوغًا فائقًا في مدرسة الطب، فاهتم بالتزود من العلم، ولم يكتف بالمناهج المقررة فقط، بل كان يطلع على المجلات العلمية المتنوعة وأخذ ينافس أساتذته في علومهم ومعارفهم في المجال الطبي.
حيث كان يدرك أن التعليم الصحيح هو التعليم القائم على البحث العلمي والقراءة الواسعة، لا على الحفظ والتلقين.

الدكتور علي إبراهيم باشا


التخرج في مدرسة الطب

وفي 21 أكتوبر 1901 صدر تصريح من نظارة الداخلية، مصلحة الصحة العمومية لـ علي أفندي إبراهيم بمزاولة مهنة الطب في القطر المصري، وتم إدراج اسمه بدفاتر الأطباء المعلومين تحت رقم 64.

أتم علي إبراهيم دراسته بمدرسة الطب سنة 1901، وحصل على "إجازة طبيب وجراح ومولد للسيد: "علي أفندي إبراهيم"، حيث أتم الدراسة المقررة لمدرسة الطب في سنة 1901 ليكون له حق التمتع بما تخوله له القوانين والأوامر المتبعة. وكان ترتيبه الأول بين زملائه، ويفوق مجموع درجاته درجات الطالب الثاني في الترتيب بفارق ثمانين درجة.

العمل بمصلحة الصحة

عمل "علي إبراهيم" بمصلحة الصحة (وزارة الصحة حاليًا)، بقسم الأوبئة، وفيها ظهر نبوغه وعبقريته المعتادة في تشخيص بعض الأمراض التي أصابت الريف المصري وحار فيها الأطباء ومنها.

1- وباء الكوليرا الآسيوية

حيث ظهر وباء غريب في قرية بوشا (بالقرب من أسيوط) عام 1902، كان من أعراضه الإسهال الشديد الذي يؤدي إلى الوفاة في أحوال كثيرة.

واحتار فيه الأطباء في ذلك الوقت. فانتدب الدكتور علي إبراهيم للبحث عن سببه، وهنا ظهر تميزه وتفكيره العلمي الصحيح. حيث استنتج أن سبب الوباء هو الكوليرا الآسيوية.

وأخذ يبحث عن مصدره، فوجد أن أحد الحجاج أتى بماء من السعودية يتبرك به، ولم تكن الأحوال الصحية في السعودية كما هي الآن، وشرب منه الأهالي وسرعان ما انتشر الوباء بين الناس.

وأرسل بعينة من قيء المرضى للتحليل في القاهرة، وجاءت نتيجة التحليل سلبية. فلم ييأس ولم يتخل عن تشخيصه، فأعاد إرسال عينة أخرى للتحليل مرة ثانية.
وجاءت نتيجة التحليل مؤكدة صحة تشخيص علي إبراهيم للمرض، وهو وباء الكوليرا الآسيوية.

وساعدت صحة التشخيص في حصر الوباء في أضيق الحدود. وكانت تلك خطوة أولى على طريق النجاح.

2- وباء الجمرة الخبيثة

انتُدب مرة ثانية للريف لفحص وباء غريب يصيب السيدات عادة ويؤدي إلى الوفاة في كثير من الحالات.

وقد استطاع علي إبراهيم في وقت قصير أن يشخص المرض بأنه وباء الجمرة الخبيثة، وأن السبب في إصابة السيدات أكثر من الرجال هو كثرة تعاملهن مع روث الحيوانات في صنع الوقود.

حيث تكمن الجرثومة المسببة للمرض في روث الحيوانات.
فاستطاع أن يحصر الوباء مرة ثانية في حدود ضيقة بفضل التشخيص المبكر للمرض.

3- استئصال الكلى هي أولى العمليات الجراحية

كانت أولى العمليات الجراحية التي أجراها الدكتور علي إبراهيم هي عملية استئصال كلية.

وتعتبر هذه العملية من العمليات الكبرى التي لا يقدم عليها الجراح إلا بعد أن يكون قد تدرب على اجراءها تحت اشراف خبراء في الجراحة ساعد في عدد منها ثم قام بإجرائها تحت إشراف أستاذة حتى ولكن علي إبراهيم أقدم على هذه العملية دون سابق خبرة أو تجربة وفي ظل ظروف غير مواتية بالمرة من حيث عدم وجود لنقل الدم أو حقن الجلوكوز أو المضادات الحيوية.

ولم يكن ذلك غرورًا منه او اندفاع بل كان ثقة في توفيق الله سبحانه وتعالى له أولًا، وفي قدرته على إتمام العملية بنجاح ثانيًا.
فهو يرى أن نجاح العملية هو شفاء المريض، وأنه لا فائدة من نجاح عملية إذا توفى المريض. وبالفعل فقد نجحت العملية نجاحًا تامًا.

ويذكر علي إبراهيم أن طبيب التخدير في هذه العملية هو الدكتور مصطفى فهمي الذي أصبح فيما بعد وكيلًا لمستشفى القصر العيني.

4 - عملية تفتيت حصوة في المثانة

وكان من أبرز العمليات التي أجراها علي إبراهيم أيضًا في بداية حياته، عملية تفتيت حصوة في المثانة دون إجراء جراحة كبيرة. حيث كان متبع في تلك الفترة وهي عملية كانت تستدعي البقاء أيامًا طويلة في المستشفى مع وجود احتمالات عالية في الوفاة.

وبالفعل تم تفتيت الحصوة بنجاح، ومن هنا ذاع صيت وشهرة علي إبراهيم في أنحاء بني سويف.

بعد 15 عامًا وفى عهد السلطان "حسين كامل" قد مَرِضَ السُلطان بمرضٍ شديد واحتار الأطباء في مرضه هذا.

اقترح عالم البيولوچى الدكتور عثمان غالب على الأمير كمال الدين حسين نجل السلطان حسين كامل، اسم الدكتور على إبراهيم فاستطاع علاج السلطان و أجرى جراحة خطيرة و ناجحة.

أنعم عليه السلطان بتعيينه جراحًا استشاريًا للحضرة العلية السلطانية وطبيب السلطان وأيضا أنعم عليه برتبة البكوية.

رتب الدكتور وإنجازات أخرى

  • في عام 1922 منحه الملك فؤاد الأول رتبة الباشوية.
  • ‏في عام 1929 تم انتخاب الدكتور "على باشا إبراهيم" كأول عميد مصري الجنسية لكلية الطب بجامعة (فؤاد الأول) جامعة (القاهرة حاليًا)، ‏ثم أصبح بعدها رئيسًا للجامعة،
  • ‏في عام 1940 تم تعيينه وزيرًا للصحة.
  • في نفس العام ذاته أسس "على باشا إبراهيم" نقابة الأطباء وأصبح "علي إبراهيم باشا" نقيب الأطباء الأول في تاريخها.
  • أصبح أيضا عضوا في البرلمان المصري.

نجومية الدكتور علي باشا إبراهيم 

حيث تقلد العديد من المناصب وهي كالاتي:
  • عام 1929 تم تعيين الأستاذ الدكتور علي باشا إبراهيم أول عميد مصري منتخب لكلية الطب جامعة فؤاد الأول.
  •  في الثامن والعشرون من يونيو عام 1940 عُيَّن "علي باشا إبراهيم" وزيرًا للصحة في وزارة "حسن صبري باشا
  • وفي شهر سبتمبر عام 1941 (بعد مغادرته من تلك الوزارة مباشرةً) عُين مديرًا لجامعة (فؤاد الأول).
  • في نفس العام 1940 أسس على باشا إبراهيم  نقابة الأطباء و أصبح أول نقيبًا لأطباء مصر في تاريخها.
  • (اُنتخب "علي باشا إبراهيم" لعضوية (مجلس النواب)، وقد اُختير عميدًا لكلية الطب في عام 1929 ليكون "علي باشا إبراهيم" أول عميد مصري الجنسية لكلية طب (القصر العيني).
  • فتح "علي باشا إبراهيم" الباب أمام الفتيات المصريات الجنسية لدراسة الطب. وفي شهر يناير في عام 1930 قام بتأليف (الجمعية الطبية المصرية) عقب اجتماع دعا إلى عقده هو وزملاؤه الذين أصدروا (المجلة الطبية المصرية).
  • قام بتأسيس مستشفى (الجمعية الخيرية بحي العجوزة) بجوار مستشفى (الشرطة) حاليًا.
  • تم تعيينه كمديرًا لجامعة (فؤاد الأولي) “جامعة القاهرة حاليا” في عام 1941.
  • قام الدكتور "علي باشا إبراهيم" بإهداء جزء من مجموعة تحفه الخاصة به لمتحف آثار كلية الآداب (جامعة القاهرة).

وفاة على إبراهيم عطا

في أوائل عام (1946) بدأت صحة "علي باشا إبراهيم" في التدهور.
فكان كثيرًا ما يلزم منزله ويعتكف عن آداء عمله.
وكان يحس إحساسًا شديدا بقرب أجله ووفاته.
فلما صار يوم الثلاثاء 28 شهر يناير عام 1947، تناول غذاءً خفيفًا. ثم ذهب في النوم حتى أتت الساعة الخامسة مساءً أفاق من نومه هذا وهنا صعدت روحه إلى بارئها وإلى رب العالمين.
وفي اليوم التالي خرجت جموع الشعب فأدت صلاة الجنازة على فقيدها العظيم الطبيب
"علي باشا إبراهيم" خلف الإمام الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق رحم الله عليه.
الدكتور على ابراهيم عطا
الدكتور علي إبراهيم باشا


بعد وفاته أهدت زوجته مجموعة نادرة من الأثار التي كان يحرص الدكتور (على) على اقتناءها حيث كان شغوفًا بالآثار لدار الآثار المصرية (متحف الفن الإسلامي حاليًا)

أحفاد الدكتور على إبراهيم

من أحفاده أيضًا الدكتور "إسماعيل سراج الدين" مدير (مكتبة الإسكندرية) الأسبق والذي يسرد ويقص علينا بعضًا من حياة جده الدكتور "علي باشا إبراهيم" بقوله:

جدي الدكتور "على باشا إبراهيم" ، مؤسس (القصر العيني الحديث) وأشهر جراح مصري قد أشرف على تمصير الطب في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، مديرًا لجامعة فؤاد الأول جامعة (القاهرة حاليًا) وعضوًا لمجمع اللغة العربية.

 كان جدي رحمة الله عليه الدكتور عاشقًا للآثار والتحف الإسلامية وحريصًا كل الحرص على اقتناء النفيس وذو القيمة الغالية منها؛ حيث استمر الدكتور "علي باشا إبراهيم " في جمعها لأكثر من (40 أربعون) عامًا.
وقبل وفاة الدكتور قام بإهداء مجموعة من تلك التحف النفيسة الغالية لمتحف الآثار بكلية الآداب (جامعة القاهرة)، ثم قامت جدتي بعد وفاته بإهداء مجموعة أخرى كبيرة من مقتنياته إلى دار الآثار المصرية المعروفة حاليًا باسم (متحف الفن الإسلامي).

ولا سعنا في نهاية قصة الدكتور على إبراهيم إلا أن نتذكر والدته تلك‏ ‏الفلاحة الأُمّية المُطلَّقة التي كان لها الفضل الأول فيما وصل اليه ابنها من نبوغ وتفوق ومناصب اجتماعية وقصة عظيمة بكل المقاييس.


‏قيل لنابليون:
‏أي حصون الشرق الإسلامي أمنع؟
‏قال: الأمهات الصالحات.
نعم، ف‏طباع الطفل هي: طباع أمه، وأبيه أولًا، ثم البيئة التي يعيش بها.
‏صلاح المجتمعات يبدأ من الأم.

google-playkhamsatmostaqltradent